
صورةُ الطفلِ في قصصِ الأطفالِ عندَ الأديبِ قيسِ عايد الحديثي ، المجموعةُ القصصيةُ (براعمُ الخيرِ) ... محوراً تطبيقياً.
قسم معلم الصفوف الأولى
كلية التربية الأساسية/حديثة - جامعة الأنبار.
بسم الله الرحمن الرحيم ،
يرسم الأديب قيس عايد الحديثي صورة مرحة للطفل وهو يداعبُ مشاعره الآنية أو المختزنة في ذاكرته عبر القصة الموجهّة له في المجموعة القصصية الطفولية : (براعم الخير). هذه الصورة المرحة المزيّنة بألوان الطبيعة المشاهدة والمحسوسة وما تثيره من مشاعر واحاسيس في نفس الطفل وقدراته الذاتية على التأمل والتفكير ، هي الصورة نفسها التي كان عليها المبدع في أيام الصَّبا، كما إنها الصورة نفسها التي يريد زرع غرسها في نفوس الأطفال اليوم ومبادئهم وسلوكياتهم عبر هذا النتاج الأدبي القصصي المقرّب ذهناً وتشويقاً ولا سيما مع الصورة واللوحات من نفس الطفل ومشاعره وعقله ، إذ هي الأقرب إليه في تشكيل ساحر لعناصر القصِّ يوفقُ إليها أديب الطفولة دائماً في البوح عن مشاعره ، ويحقق إنجازاً نوعياً في مضمون رسم الأهداف التربوية التثقيفية التي يريد المبدع في هذا النوع المهم من الأدب اليوم إيصالها إلى الطفل بهدوءٍ وانسيابيةٍ ومحبةٍ.
لقد نشأ الأديب قيس عايد الحديثي نشأةً فاضلةً ، إذ تربّت نفسه على مكارم الأخلاق والفضائل والآداب الكريمة ، نشأة المدينة الفاضلة والقرى التي يحبُّ ساكنوها الخير وبذله بوسائل شتّى للناس الغرباء قبل الأقراب ، ومن مثل هاته الأخلاق والآداب الفاضلة نمت في نفس أديبنا المفضال قيس ولاسيما في الصدق وحبِّ الآخرين والأمانة والعدل وحفظ الجوار ، ومن ثم إلى حبِّ العلم ونشره ، والوفاء ، والصبر ، والسعي للكسب الحلال ... في مراحل سنّه التي عاشها إلى يومنا هذا . ومن البداهة أن يتمثّل هذه الأخلاق والآداب في نفسه وتصرفاته في البيت والأسرة والعمل والشارع وفي أيِّ مكان يذهب إليه ، ومن ثم في كتاباته الأدبية المتنوّعة ولاسيما وأدب الأطفال الذي هو في أصل وجوده ونشأته أدبٌ تربويٌّ تثقيفيٌّ لصغارِنا في فنونه كلّها، وعندَ كتّابه أجمعهم.
يرسم الأديب قيس عايد الحديثي صورة الطفل رسماً شفافاً بفرشاته الملّونة بألفاظٍ وعباراتٍ وتراكيب تقرّب إلى نفس الطفل ومشاعره الأخلاق الحميدة التي يرومُ هذا الأديب الفاضل غرسها في تلكم النفسية وما يعتليها من مشاعر، وهو قريبٌ جداً إلى الطفل الصغير نسبياً في مجموعته القصصية : (براعم الخير) الموجهة للأطفال ولذا ارتأيت أن تكون هذه المجموعة القصصية محوراً تطبيقياً لصورة الطفل عند هذا الأديب في النقد والتطبيق والتحليل وصولاً إلى الهدف الذي يسعى الأديب الوصول إليه ، فتعالوا معي – معشرَ القرّاء – لشواهد مسرودة من أدب الطفل في هذي المجموعة نبين فيها صورة الطفل المرسومة عند مبدعها.
الطفلة أُمنية في القصة ذات العنوان الفرعي الداخلي الثانوي : (أُمنية والمعزاة الصغيرة) ، هي بطل القصة هذه في عنوانها وفي جسدها وأغلب مشاهدها أيضاً. أُمنية تلكم الطفلة البرئية جداً المحمّلة بحبٍّ عفويٍّ لهذا الحيوان ولباقي الحيوانات الأليفة أشفقت على هذه المعزاة وقد كُسرت رجلها، فطلبت من أبيها أن يبتاعَ لها هذه المعزاة ، وأن تقومَ بمعالجتها، ولبى الأبُّ الحنون طلبها على الفور ، وهو ما سعُدت بهِ كثيراً وطربتْ له عملاً .
القصة تستنيرُ بالمكان الطبيعي والزمن والحدث والشخوص من بين عناصر السرد القصصي المعروفة ، لتصلَ بنا إلى الهدف التربوي وهو حبُّ المساعدة للآخرين والسعي لإعانتهم في شؤون حياتهم ولاسيما حينما يكونون ليس على ما يرام من الصحة والعافية. اللغة كانت رقيقة جداً ، ضافية بألوان محببة لنفسية الطفل ، وأمكنة يعشقها تماماً منذ بواكير حياته الأولى وهو ما جعلَ النصَّ الأدبيَّ هذا أكثرَ عاطفةً وتشويقاً للقراءةِ والمتابعةِ وفهم الهدفِ التربوي منهُ. ومنه مشاهدُ في رسمِ صورةِ الطفلِ التي أفتّشُ عنها وأريدُ بثّها للقارىء ولاسيما أطفالنا الأعزة قول القاصِّ قيس :
(كان أكثر ما جذب انتباهها المعزاة الصغيرة وهي تتوثب وتقفزُ بسرعة بين الحشائش والتلة القريبة، وحدث أن سقطت تلك المعزاة وتكسّرت أرجلها، عجزت عن القيام من مكانها . هرع الراعي إليها وهو يحملها إلى الكوخ القريب ليضمد ما تكسر منها ، لكن دون جدوى.
خافت أُمنية وأشفقت على تلك المعزاة العزيزة وطلبت من أبيها أن يشتريَ له تلك المعزاة الصغيرة .
فعل الأبُ ما طلبت منه أُمنية وبعد قضاء يوم ربيعي مشمس جميل عادا إلى دارهم المطلّ على الفرات في قرية الشاعي.
...
...
فرحت الصغيرةُ أُمنية فرحاً شديداً إلى أن تعافت بالكامل، وصارت تمشي حتى أصبحت قادرةً على الجري كما كانت من قبل).
هكذا هي الصورة التي يرسمها الأديب قيس عايد الحديثي في قصّته هذه للطفل، صورة فيها مقومات الجمال ومثيراته التي تُعرفُ عند الأطفال وهي تتألق بهذا الحجم الكبير من الحبِّ للحياة بكلِّ ما فيها ومَن فيها .
أمّا الخاتمة للقصة فكانت على ما يسرُّ ويرضي للجميع، ولعلَّ شاهدها السرديَّ يغني عن التحليل والشرح ، وفيه يقولُ:
(أحبّها الجميع وتكاثر الماعز بعد شراء المزيد منه في بستانهم الفسيح حتى صار أهل القرية يسمونهم بأهل الماعز يبتاعون ويشترون منهم الحليب الطازج اللذيذ).
القصة الأخرى التي أقفُ عليها في مقالي المتواضع هذا لرسم صورة الطفل في المجموعة القصصية : (براعم الخير) للقاصِّ قيس عايد الحديثي هي القصّة ذات العتبة الفرعية الداخلية ( الغزالةُ نينا)، بصراحة كان لمُّ الشمل بين الطفلة (جميلة) وبين الغزالة نيران (نينا) هو هدف القاصِّ من قصته ولاسيما بعد جفوة أتراب هذه الغزالة ولداتها وأخواتها بلا سبب يذكرُ؟!؟!
مشاهدُ سرديّةٌ كثيرةٌ ضمّتها هذه القصة وهي ترسم صورة الطفلة جميلة ، بألوان زاهيةٍ ، وبأماكن تدخلُ السرور والسعادة إلى نفسية الطفلِ وتشرحُ قلبه وتفتحُ ذهنه لتقبّل ما يريده القاص من بوحٍ لمشاعره وتعبيرٍ عن هدفه. ومن هذي المشاهدِ في رسم صورةِ الطفلةِ جميلة وهي بين الأماكن النضرةِ ، والنباتات والخضرةِ من كل وجهةٍ ، والحركة والحيوية قوله :
(فرحت جميلة بتلك البساتين الخضراء المباركة. كان لجميلة غزالة صغيرة جلبها الأب جسام من أحد الكهوف النائية في الصحراء. راحت تلك الغزالة نينا اسم الدلع لنيران تغني معها الأغاني الحلوة الجميلة . كان أخوة جميلة يغبطونها على تلك الغزالة الرشيقة المتوثبة الحسناء . حدث أن تمرّض زوج الفلاح جسام، فذهب بها زوجها إلى بغداد مصطحباً جميلة معهما لبضعة أيام).
أما الهدف فأسلفتُ القولَ فيه كان في أخر مشهدٍ سرديٍّ من مشاهد هذه القصة، أي: خاتمته التي يقولُ فيها القاص قيس قاصّاً راسماً صورة الطفلة وما تسعى إليه مع هذه الغزالة ولاسيما بعد عودة الأسرة من بغداد لعلاج زوج الفلاح جسام وقد غابوا أياماً عن البيت والبساتين والعمل :
( ولمّا عادوا رأت جميلة غزالتها نينا على غير ما يرام ، حزينة كسيرة الخاطرِ. علمت فيما بعد اكتراث أخوتها بها وإهمالها وحبسها في مكان المبيت دون إخراجها إلى البستان الأخضر الفسيح . فراحت معها إلى ذلك البستان البهيج تسرحُ وتمرحُ لتفرحَ قلبها الذي كان حزيناً ...!).
القصّة ذات العنوان الفرعي الداخلي (دعها تعودُ) ، من قصص القاصِّ قيس عايد الموجّهة للطفل في مجموعته القصصية : (براعم الخير)، تستضيفُ الحوار آليةً من آليات السرد لترسم صورة الصبي ياسين المتفنن في إيذاء الطيور ومحاولة اصطيادها ، وصورة الصبي رائد الذي يحاولُ زجره ونهيه عن العمل المؤذي الذي يقومُ به ، لجمال هذه الطيور ، ورشاقة طيرانها في السماء ولاسيما في مواسم الهجرة بين مكانٍ ومكانٍ آخر .
الهدف بات واضحاً من مشاهد القصّة ومن رسم الصورة الضدية لكلِّ صبيٍّ منهما، الحفاظ على البيئة ومقوماتها ومظاهرها الجميلة ، الهدف العتيقُ الذي يتجددُ دائماً بلا مجيب . الألفاظ كانت رشيقةً ومأنوسة وكذلك الأساليب تنمازُ بالهدوءِ والجاذبية القريبة إلى نفسية الأطفال والصبيان ومشاعرهم.
أما الصور فاستنطقت المكان وآثرت الحركة والحيوية المتفائلة بالخير والإصلاح هدف القصّة الرئيس الذي تكفّل الحوار الداخلي برسمه بين شخصيتي القصة في براعة وإحكام ، وإليك أيها القارىء والطفل والصبي مشاهدَ من هذه القصّة برهاناً ودليلاً لما أقولُ. بدءاً صورة الصبي رائد ، يرسمها القاصُّ بقوله:
(كان الصغير رائد يلعبُ مع الصغار في البساتين المكللة بالأعناب الملتفّة والنخيل الباسقة وأشجار الليمون والبرتقال والحمضيات الأخرى).
أما صورة الصبي المشاكس ياسين فيرسمها القاصُّ قيس الحديثي بقوله:
( كان الصبي ياسين يتفنن في اصطياد الطيور الملّونة الجميلة المهاجرة بأن ينصبَ لها ما يشبه المفقاس المصنوع من سعف النخيل ، ويجعلَ دونه خيطاً دائرياً يصطاد الطيرَ عليها فيحصرها بهذا الشرك الذكي).
صورتان متناقضان لصبيين في صور القاصِّ قيس ، أُترعتَ بالألوان ومظاهر الجمال للمكان الطبيعي المترف جمالية اللغة الهادئة السهلة . أما الحوار فكما قلتُ هو الذي بنى القاصُّ عليه الحدث وهو الذي يوصل إلى الهدف المبتغى من هذه القصّة ، وها هو في قولِ القاصِّ في الحوار بين الشخصية (رائد) وذاته المتعجبة :
( كان رائد يتساءل فيما بينه وبين نفسه ما هذه الطيور المهاجرة؟ ومن أين تأتي؟ وأين تذهبُ؟ ولماذا تكثرُ في فصل الربيع خاصة ؟ حيثُ تتفتحُ أزهار الأشجار المثمرة بألوانها الزاهية الأخاذة؟؟).
الحوار مع الشخصية الأخرى (ياسين) أفصح عمّا أراد القاص من إيصالٍ للهدف بهذا النصح والإرشاد الكبيرين في نفسية رائد وخلقه . وهو – القاص – عبّد الطريق أمام الأطفال للوصول إلى الفائدة العظمى من القصة وهي المحافظة على البيئة وجمالها ولاسيما الأشجار والطيور والغابات والحيوانات ، البيئة التي قام بنو البشر بتلويثها والجناية عليها في الأمور كلِّها وللأسف الشديد .
إليك أيها الطفل والصبي والراشد ذلكم الحوار بين ياسين ورائد وما يُفهمُ ويبينُ عن كنه مشاعر الذات في وجعها ولوعتها مما يحدثه بعض الأطفال والصبيان مثل صورة ياسين هذا ، وما يفعله البالغين اليوم ، بل حتى والمؤسسات والحكومات من جناية ومخاطر على البيئة ومساحاتها الخضراء ، يقولُ القاصُّ قيس:
( قال رائد يوماً لصديقه ياسين :
وماذا تفعلُ بهذه الطيور غير تكسير أقدامها كي لا تؤذيك يا ياسين ؟!
أجاب ياسين :
وهل هناك أجمل من هذه الطيور... عقعاقي ، والمسميات الأخرى؟
أجاب رائد :
ولماذا لا تتمتعُ بها وهي على الأغصان الزاهية دون اصطيادها ...؟ فهي صغيرةٌ لا تؤكل ولا تتكاثر عندنا ولا تغرد؟!
أجاب ياسين قائلاً:
تقول ذلك لأنك غير قادرٍ على اصطيادها مثلي يا رائد؟!
أجابه رائد قائلاً :
دعها تعودُ... دعها تعودُ فإنها زائرةٌ غربيةٌ يا صديقي!).
هذا الحوار هو الذي أبان عن مكنون القصة وهدفها إلى الطفل والصبي والمتلّقي عموماً ، إنها النصيحة والموعظة بهذا الصفاء الذي ما أسعدنا لو سمعنها وأصغينا إليه بالعقل والقلب لنكون الأمناء الأوفياء على بيئتنا وما فيها، وما أجملَ أن يتمثّل الأطفال والصبيان اليوم مثل هاته القصص نصحاً وإرشاداً فهي غاية القصة ومضمونها وهدفها التربوي التعليمي ، وهو ما أراده القاصُّ قيس من قصّته هذه ومن مجموعاته القصصية الأخرى التي سردها للأطفال والصبية واليافعين في كلِّ مكان ، بأهداف سامية ، ومضامين خُلقية تربّى عليها وألِفها في حياته ، ونقلها في نتاجه الأدبي القصصي الطفولي صدقاً وتطبيقياً وتعريفاً وتربيةً وتهذيباً ، كيف لا وهو المربّي والتربوي ومعلم الناس الخير قبل أن يكون أدبياً أو شاعراً أو قاصّاً...